لماذا تشعر العديد من المسلمات بـ “الضيق” من فكرة أن يكنّ ربات بيوت؟

كنت أتحدّث مع مجموعة من الشابّات المسلمات غير المتزوّجات عن الزواج. كنّ ضمن الفئة العمريّة من أواخر العشرينات إلى أوائل الثلاثينات.

قالت إحدى الأخوات أنّها كانت تبحث عن زوج وعن عمل. فهي تبحث عن وظيفة لأنّها أرادت “الاستقلال” الّذي يتأتّى بتكسّبها الشخصيّ للمال. وأوضحت أنّها حتّى بعد الزواج ترغب بضمان استمراريّة استقلالها الشخصيّ، وأنّ كسبها للمال من عملها يلعب دوراً كبيراً في ذلك. مضيفة أنّ الاعتماد الكامل على أموال زوجها حتّى وإن كان ثريّاً، سيجعلها “تشعر بالضيق”.

ومن قبلها، سمعت العديد من المسلّمات المعاصرات يعبّرن عن نفس المشاعر حرفيّاً. حتّى عن “الشعور بالضيق” ذاته.

لماذا تشعر المرأة المسلمة بالضيق الشديد من القيام بأدوارها الاجتماعيّة التقليديّة في الزواج؟ لماذا الضيق من فكرة أن تكرّس الزوجة نفسها للأسرة والبيت والأولاد، بينما يكرّس الزوج نفسه لكسب المال للأسرة؟

من أين حصلنا على مخاوفنا هذه؟ ومتى اكتسبنا عدم الثقة والشكّ والقلق؟

أفهم أنّ للأمر وجوهاً متعدّدة، وأريد تقدير التعقيدات المتعلّقة فيه.

من المؤكّد وجود بعض الحالات الّتي فشل فيها رجال مسلمون في أداء أدوارهم كمعيلين متحمّلين للمسؤوليّة، ممّا أجبر ذويهم من الإناث على إعالة أنفسهنّ. فإنّ أفعال بعض الآباء والأزواج المتمثّلة بالتخلّي عن دورهم، أدّت لكسر الثقة عند بناتهم أو زوجاتهم أو أخواتهم بالرجال، وتكوين تصوّر عامّ لديهنّ بكون الرجال لا يوفون بالتزاماتهم ولا بوعودهم. إنّه من المشكل كون هؤلاء الرجال فشلوا في استيفاء المعايير الإسلاميّة للوليّ والزوج والأب. فنجد أنّ هناك رجالاً ضعفاء، ورجالاً غير منضبطين، وآخرين غير أكفاء؛ قد خذلوا نساءهم.

ولكن، هل هذا هو السبب الرئيسيّ؟

فكم يتكرّر هذا الأمر؟ وما هي نسبة الرجال المسلمين “فاقدي المسؤوليّة” بهذا الشكل؟ وهل يمثّلون غالبيّة الرجال المسلمين؟ أم النصف؟ أم الربع؟ أم خمسة بالمئة؟

لكنّ طريقة قلق النساء وبعض حديثهنّ حيال هذه المسألة، قد يجعلك تعتقد أنّ 99.3% من الرجال المسلمين يفشلون في إعالة ذويهم.

فإنّه وبرغم وجود إشكاليّة “الرجال غير المسؤولين”، إلّا أنّه يتمّ تضخيمها بشكل كبير في ذهن الأنثى.

وذلك بسبب القصص الّتي تروى مراراً وتكراراً، ويتفشّى ذكرها فتبدو تلك الإشكاليّة سائدة أكثر ممّا هي عليه بالفعل. حيث تستمع النساء لتجارب الأخريات مستنبطات منها دورساً يقينيّة واستنتاجات قطعيّة، حتّى لو كانت تلك التجارب مجرّد إشاعات لم يسبق لهنّ رؤيتها، كهؤلاء الرجال غير المسؤولين.

العامل الآخر هنا هو التعليم الليبراليّ التلقينيّ وغسيل النسويّة للأدمغة. دعونا فقط نسمّي الأمور بمسمّياتها.

فإنّ البرمجة الحداثيّة للمرأة تتمّ كالتالي: “أنت وحدك في أغلب الأحيان. لا يمكن الوثوق بالرجال! من المحتمل أن يتحوّل زوجك إلى بخيل شحيح قابض على يده! أو قد يصبح عاطلاً عن العمل فاقداً للمسؤوليّة! أو أنّه سيخونك ويتركك أنت والأطفال ويذهب لامرأة أخرى! أو سيضربك ويصبح وحشاً مسيئاً!، ثمّ ماذا لو مات؟ ماذا لو طلّقك بدون سبب؟ سيناريوهات كثيرة سيّئة! فمن الأفضل أن تؤمّني نفسك بالحصول على وظيفة تجني منها المال تمكّنك من ضمان الاستقلاليّة عنه، فلا تضطرّين للاعتماد على من لا يوثق بهم. فمن باب الاحتياط يجب أن تستعدّي لأيّ شيء. لأنّك لا تعرفين ما قد يحصل. أقول ذلك فحسب.”

الترويج للخوف.

وزرع بذور الشكّ وانعدام الثقة وانعدام الأمان.

عدم التوكّل على اللّه، بل التوكّل على الجهود الشخصيّة القاصرة. لقد نسينا حديث التوكّل والرزق:

.

حديث عمر ، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً.”

لكنّ الغسيل الحداثيّ للدماغ؛ يدرّب النساء على تكوين توقّعات سيّئة منذ البداية، بافتراض الأسوأ قبل حدوث أيّ شيء.

يتمّ إسقاط الزوج قبل أن يتمكّن من فعل أيّ شيء.

في الحرب، هذا يسمّى الضربة الوقائيّة.

فكيف يستمرّ الزواج في ظلّ هذه الظروف؟

يُعتبر تبادل المنفعة بين الجنسين أكثر طرق تقسيم الجهد والعمل ذكاء وعقلانيّة وفاعليّة.
كلّ جنس لديه ما يفتقر إليه الآخر. فهم يتبادلون المنفعة لصالح الطرفين والأطفال والأسرة والمجتمع.

من الناحية التاريخيّة، كانت هذه هي الطريقة الّتي يُعمل بها دائماً:

يتمتّع الرجال ببنية بدنيّة أقوى وأضخم، وبقدرة أكبر على العمل الشاقّ ولساعات طويلة، وهذا ما يعطيه القدرة على كسب ما يفيض عن حاجته الشخصيّة (العمالة الفائضة).

أمّا النساء، فهنّ الوحيدات اللّواتي يتمتّعن بالقدرة على حمل وولادة الأطفال (القدرة الإنجابيّة).

في الزواج، يقدّم الرجل للمرأة عمالته الفائضة بينما تقدّم المرأة للرجل قدرتها الإنجابيّة، في نظام يعود بالنفع على الطرفين ويبني الأسرة. وهو بذلك نظام رائع بالفعل، لأنّه يراعي طبيعة كلّ جنس والقدرات الّتي أعطاها اللّه لكلّ منهما.

يمكن لكلّ جنس أن يركّز بشكل كامل على قدراته والقيام بدوره الطبيعيّ.

وهذا يجعل الزواج سويّاً وسلساً ومتكاملاً.

ولكن وفي هذه الأزمنة الحداثيّة، يتمّ غسل دماغ النساء وترويج الخوف بينهنّ لدفعهنّ لمحاولة القيام بكلا الدورين في نفس الوقت؛ المطاردة خلف العمالة الفائضة والقدرة الإنجابيّة.

وهذا أكثر من أن يتحمّله أيّ شخص يريد أن يبقى بعافية وطمأنينة واتّزان.

فأنت أيّتها المرأة، يتمّ الضغط عليك للقيام بما هو فوق وسعك.

فذاك الشعور بـ “الضيق” الّذي غُرس في نفسيّتك يؤذيك. فهو دخيل عليك، رسّخته النسويّة. وما عليك إلّا التخلّص منه.

نحن كنساء نحتاج إلى اختيار أزواج مسلمين صالحين (بعد تقييم الوليّ لهم والاستخارة والاستشارة). وبعد ذلك علينا أن نتعلّم الوثوق بهم.

وبالطّبع، ففي الطرف الآخر من المعادلة، يحتاج الرجال المسلمون أن يرتقوا لمستوى المعايير الإسلاميّة للوليّ / الزوج / الأب والوفاء بمسؤوليّاتهم تجاه من يعولونهم. فعليهم تحمّل المسؤوليّة كما أمر اللّه. وهذا ما شاء اللّه متحقّق بالغالبيّة من الرجال المسلمين.

وبمجرّد أن يقوم الرجال بدورهم الرجوليّ بحزم، وأن تسلّم النساء أنفسهنّ للراحة في دورهنّ الأنثويّ بعيداً عن سطوة الشعور بالضيق من ذلك، يمكن حينها أن تزهر بيوتنا إن شاء اللّه.

MuslimSkeptic Needs Your Support!
Subscribe
Notify of
guest

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments