
ماتت الملكة إليزابيث الثانية التي كانت فترة حكمها الأطول في التاريخ البريطاني. على الرغم من أن قوس قزح الذي ظهر فوق قصر باكنغهام قد يدفع بالبعض لتفسيره كإشارة على أن موتها نعمة، إلا أننا يجب ألا ننسى أن الملكية مازالت مستمرة. كما هو الحال في صفوف المافيا، إذا تنحّى رئيسها يقف ورائه من يكون جاهزًا لسدّ الفراغ. إن حكم الملك تشارلز بلا شك سيكون أكثر إثارة للاشمئزاز من عهد والدته.
لا يمكننا التنبّئ بالمستقبل، لكن بإمكاننا التأكد من أن الملك تشارلز سيستمر في الدفع بأجندة “إعادة الضبط الكبرى” التابعة لأصدقائه في المنتدى الاقتصادي العالمي. واعلموا أنه كان أيضا معروفًا بمصادقته لمقدم التلفزيون البريطاني جيمي سافيل – البيدوفيلي كما تم الكشف عنه مؤخرًا. بالنسبة لقطيع النائمين، كانت وفاة الملكة إليزابيث حافلة بالدموع والشموع والحزن والحداد، لكن بالنسبة لنا نعي تمام الوعي ما ارتكبته العائلة المالكة البريطانية من جرائم، لذلك لا نرى موتَها إلا نهايةَ فصلٍ طويل من فصول التاريخ المظلمة.
“نحن أقدم من الرأسمالية والاشتراكية”
هناك قصة مشهورة يقال فيها إن الملكة إليزابيث حينما سُئِلَت عن أيديولوجيتها أجابت: “نحن أقدم من الرأسمالية والاشتراكية”. على الرغم من أن صحة هذا الاقتباس مشكوك فيها إلا أنه معبّر لحد ما عن الحقيقة. الملكية أقدم من أي أيديولوجيات حديثة، في الواقع الملكية أقدم من الفرع الإنجليزي من بيت “وندسور” الذي كانت تنتمي إليه اليزابيث. ولنفهم طريقة تفكير من يرَون أنه قُدّرَ لهم أن يحكموا رقاب الناس، علينا العودة إلى تاريخ المصريين القدماء.
عبد المصريون القدماء فرعون باعتباره من نسل إله الشمس رع، وفي أوروبا ادعى ملوك العصور الوسطى أن لهم “حقًا إلهيًا” يخوّلهم لحكم البشر. حتى اليوم في مجتمع ما بعد الملكية لا يزال يُشار إلى آخر العائلات الملكية الباقية بوصف “الدماء الزرقاء” كما لو كانت الدماء التي تسري في عروق أفرادها مختلفة عن دمائنا نحن “العامة”.
هذا المخطط المحكم لمحاولة إضفاء الشرعية على نظام الملكية بربطه بأمر إلهي كان بهدف تبرير حكم القلة على الأغلبية. وإلا كيف للملوك والملكات والأباطرة والفراعنة إقناع أي شخص بطاعتهم ما لم يدّعوا أنهم آلهة أو على الأقل اختارهم إله؟ بمرور الوقت أدى هذا بالطبع لأن يقتنع أفراد العائلات المالكة بوهم تميّزهم ويؤمنوا بأفضليتهم على الآخرين. وفي هذا السياق جاء قول الملكة إليزابيث المزعوم: “نحن أقدم من الرأسمالية والاشتراكية”، أي أنهم أسمى من مثل تلك الأيديولوجيات الدنيئة التي أسّسها الإنسان.
إحدى الأمثلة الغريبة هي سقوط آل هابسبورغ الإسبان نهاية بسبب هذا الهوس بالزواج داخل الأسرة والحفاظ على نقاوة نسلهم حتى قضوا على نسلهم بتمسّكهم بالزواج داخل الأسرة.
بَيتُ ماذا الآن؟
فيما يتعلق بالعائلة المالكة “البريطانية” فالجزء المثير للاهتمام في تاريخها أنهم في الحقيقة ليسوا بريطانيين على الإطلاق. لم يصبح بيت “وندسور” يحمل ذلك الاسم إلا عام 1917، وقبل ذلك كانوا من عائلة ساكس كوبرج-جوتا المرتبطة بالعائلات الملكية الأوروبية، ولكن بعد الحرب العالمية الأولى لم يعد الشعب البريطاني راضيا تماما عن تلك القرابة الألمانية، لذلك أصبحوا يُدعَون “وندسور”.
إن ما يجمع أفراد هذه العائلة المالكة – المرتبطين ببعضهم عبر زواج الأقارب – بأشقائهم وأبناء عمومتهم الأوروبيين أكبر بكثير مما يجمعهم بالشعب البريطاني.
وهذا يفسر على سبيل المثال سبب دعم العائلة المالكة “البريطانية” النازيين قبل (وأثناء) الحرب العالمية الثانية كما هو ثابت بالأدلة اليوم. كانت الأدلة على ذلك دامغة بما فيه الكفاية عندما ظهرت صور للملكة إليزابيث وهي تؤدي التحية النازية ولِعَمّها إدوارد الثامن وهو يصافح هتلر. وأما الملك تشارلز الحالي فصداقته المستمرة مع الأمير برنارد أمير هولندا ينبغي أن تدق ناقوس الخطر لدى كلّ من يعرف ماضي برنارد.
فقد كان جزءًا من منظمة SS (Schutzstaffel) النازية – وهي قوات الأمن الخاصة النازية – كما كان مؤسسًا بالشراكة لمجموعة بيلدربيرغ سيئة السمعة -كما تعلمون، المجموعة التي لا وجود لها.. ووفقًا لوسائل الإعلام الرئيسية لا تلعب أي دور على الساحة السياسية العالمية… هي لا تعدو كونها تجمّعا لأكثر الشخصيات نفوذاً ومكانة وبعض رؤساء الدول، يجتمعون مرة كل عام لمناقشة … لا شيء؟
وماذا عن زوج الملكة الأمير فيليب، إذ قال في تصريح مُثِيرِ للإعجَاب إنه يريد أن يتجسد بعد موته في شكل “فيروس مميت للغاية” حتّى يساهم في إنقاص أعداد السكان في العالم؟
في سبيل الهيمنة
يرى هؤلاء عامّةَ الناس كفيروس يجب مَحوُه من وجه الأرض، وهذا بالأساس ما تدور حوله أجندة ما بعد الإنسانية. إنهم يأملون في نهاية المطاف أن تَحُل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي محلّ البشر كعبيد عاملين، حتى يتمكنوا كطبقة حاكمة من العيش دون عناء الاضطرار لـ “إقناع” الطبقة الكادحة بقبول سياساتهم.
إن من المتعب للغاية الآن توجّب إقناع الناس والسيطرة عليهم والتلاعب بهم ليُسايروا الأجندة العالمية. ألن يكون الأمر أسهل بكثيرٍ لو انخفض عدد سكان العالم لدرجة كبيرة ولم يُسمح إلا للأشخاص “المهمّين” بالعيش؟ بالنسبة للملك تشارلز سيؤيد ذلك على الأغلب فقط لمعالجة “الاحتباس الحراري” وتغير المناخ. إن كان الناس أكبر المتسببين للتلوّث، فلماذا لا نتخلص منهم بكل بساطة؟
يبدو أن أغلب الناس في غيبوبة هذه الأيام، يَأسفون لوفاة عجوز تلوّح للجماهير وتشرب الشاي، وكأنهم نسوا أن الملكة إليزابيث كانت وريثة عرشٍ جُمِعَت ثروته بنهب معظم ثروات العالم وموارده. إن من المُستَبعَد تمامًا لدى معظم الناس أن تتآمر هذه النخب على جمع ثروة كبيرة عبر استعباد الآخرين وظلمهم.
لا شيء يدعو للأسى سوى ملايينِ الأرواح التي دُمِّرَت في سبيل الحفاظ على الإمبراطورية البريطانية والنظام الملكي على حساب شعوب العالم الأكثر حرمانًا.