
منذ أيام، صادفتني هذه المقالة، ، التي تحاول الربط بين الأحداث التي شهدتها إيران مؤخرًا والاضطهاد الذي يمارسه الرجال باسم الدين في جميع أنحاء العالم:
لك أن تقرأ المقالة إن شئت، ولكن هي في الأساس ليست سوى منشور رسمي بمبادئ النسوية وعلاقتها بالأحداث التي شهدتها إيران مؤخرًا، وبالتالي يمكنك بسهولة تخمين محتوياتها على الأرجح.
ولكن إليك أهم نقاطها الأساسية:
“… إذا ظلت الأصولية الدينية هي المهيمنة في إيران وفي كل مكان آخر، لن تتحرر النساء والفتيات أبدًا“.
وهنا سؤالي لكاتبة هذه المقالة ولبقية النسويات:
ما الذي تردنَّ التحرر منه بالضبط؟
أكثر ما يضطهد المرأة، في رأيي، هو أمر ذو شقين: التوقعات التي تفرضها عليها النسوية (أن تتحول إلى رجلٍ تقريبًا)، والظروف الإنسانية ذاتها التي تؤثر في كلا الجنسين: فكثيرًا ما يكون أكبر عائق لنا هو أنفسنا – سواء بسبب الكسل، أو عدم تعبيرنا عن أنفسنا حين يجب علينا ذلك، أو السعي للمثالية، أو عدم المحاولة بجهد بما فيه الكفاية، أو عدم السيطرة على غضبنا … أو كل ما هو بين هذا وذلك.
فسبب كثير من المشاكل التي نعاني منها ونمر بها ليس نظرة الآخرين لنا، بل نظرتنا نحن لأنفسنا، وسلوكنا تجاه أنفسنا، وتوقعاتنا من أنفسنا.
بالطبع، لا ننكر إطلاقًا أنَّ هناك دائمًا – مع الأسف – مجرد ضحايا أبرياء؛ ولسنا نلوم ضحايا الاغتصاب على أفعال الجناة، ولا نحن بصدد تحريف الحقائق بغرض التلاعب بالعقول.
ما أتناوله هنا على وجه التحديد هو الأمور اليومية المعتادة؛ فسبب مقالي هذا هو أنَّ النسويات يستخدمن حُجة عامة يزعمنَّ فيها أنَّ الرجال جعلوا حياتهنَّ اليومية أكثر صعوبة، بسبب القواعد التي يفرضونها عليهنَّ كنساء.
مقالات ذات صلة
فمثلاً، التقيت بعدد لا بأس به من ربَّات المنزل، اللائي كنَّ مقتنعات تمام الاقتناع أنَّ أزواجهنَّ هم السبب في أنَّهنَّ لم يحققنَ أي تقدم يُذكر، مما جعلهنَّ يشعرنَ بعدم الرضا عمَّا آلت إليه حياتهنَّ. تلكم النساء رأينَّ أنَّ كثيرًا من القوالب النمطية للرجال التي تستخدمها النسويات تنطبق على أزواجهنَّ. لكنَّهن بمجرد أن غيرنَ من سلوكهنَّ تجاه أزواجهنَّ، وصرنَ يتعاملنَ معهم بمزيد من المودة والرحمة، اكتشفنَ أنَّ أزواجهنَّ أصبحوا أبطالاً في عيونهنَّ.
لقد أخذت كاتبة المقالة هذه الصورة للرجال، باعتبارهم مُضطهدين للنساء، وضخّمتها لتؤكد أنَّ الرجال يستغلون الدين لوضع قوانين الغرض منها اضطهاد النساء. وهذا أمر مؤسف لعدة أسباب: أولاً، هي تنكر أنَّ الدين هو من عند الله سبحانه وتعالى، فضلاً عن أنَّها تسبب المزيد من الارتباك للنساء اللائي يعتقدنَّ، أثناء بحثهن عن إجابات لمشاكلهنَّ، أنَّ مشكلتهنَّ الأساسية تكمن في الرجل؛ مما يضيع عليهنَّ تمامًا أي فرصة حقيقية للتفكر بعمق في الأمر.
الخوف من فقدان السيطرة
لعل السبب في هذا أنَّ الكاتبة من أوروبا الشرقية، أي أنَّها على دراية أكثر بالكنيسة الكاثوليكية وقوانينها التي هي من صنع البشر (بل وفيما يبدو، يمكننا بكل أريحية أن نفترض أنَّها على الأرجح ملحدة). بغض النظر، هي مازالت تتجاهل حقيقة أنَّنا – كمسلمين – نؤمن بأنَّ الله سبحانه وتعالى هو من سنَّ لنا شريعتنا وقوانيننا.
أي أنَّ الكاتبة تضفي على الرجل سلطة ليست في يده أصلاً (الرجال ليسوا من يضع القوانين في الإسلام)، وتنفي بالكلية دور الله سبحانه وتعالى في النظام الكوني الذي هو خالقه. ووسط كل هذا، تتجاهل تمامًا الغرض من هذا النظام الكوني أصلاً.
وأنا أطرح هذه المسألة لأنَّها، برأيي، تشكل صراعًا داخليًا خطيرًا للغاية في قلب هذا الكفاح المُفترض ضد الاضطهاد.
لا سيما أنَّ إحدى النقاط المركزية في مقالة هذه الكاتبة تتعلق بكون الرجال يتحكمون بالنساء، على حد زعمها، من خلال الدين، حيث تقول:
“الدين ليس سوى أداة وذريعة تُستخدم للسيطرة على المجتمع – وخصوصًا النساء – لمصلحة حفنة من الرجال”.
وهذا منظور إلحادي نموذجي، بالكاد يستحق منَّا أي اهتمام؛ لأنه منفصل تمام الانفصال عن الواقع؛ فهي وأمثالها يحاولنَّ تصوير الأمر وكأنَّ الشريعة تعطي للرجال الحق في فعل كل ما يحلو لهم دون حساب.
مقالات ذات صلة:
وهذه النقطة حول السيطرة تحديدًا هي السبب في أنَّ الإلحاد والنسوية يسيران معًا جنبًا إلى جنب.
ذات مرة، التقيت بامرأة ناقشتني في الدين باستفاضة، إذ كانت مهتمة بشكلٍ خاصٍ باعتناقي للإسلام: تناولنا عدة جوانب مختلفة من الدين، فصار واضحًا أنَّ ما يضايقها هو طريقة لباس المرأة وسلوكها في الإسلام. حاولت أن أبين لها، وذكرت كالعادة أنَّ الله أمرنا بهذا لأسباب معينة، ثم ما لبثت أن جاءت الكلمات التي أوضحت لي كل شيء!
قالت لي، وأنا هنا أعيد صياغة كلماتها من الذاكرة:
“لن أسمح لأحد بأن يتحكم بيَّ!”.
بدا لي أنَّها كانت تركز أكثر من اللازم على خوفها من أن يتحكم بها أحد بدلاً من أن تقيّم ما إذا كانت هناك قيمة متأصلة في السلوكيات المطلوبة منَّا، وأشعر أيضًا أنَّه كان هناك عدم امتنان لله سبحانه وتعالى، رغم كل ما يمنحنا إياه من رزق وفير، لدرجة أنَّنا بالكاد نستطيع شكره عليه، وبالتالي، يبدو من المنطقي أن نمتثل لما يفرضه علينا من أوامر فنحن عندما نطيعه فيما أمرنا به، يتسنى لنا عادةً أن نتفهم فوائده لنا، وهذا أمر ينطبق على الرجال والنساء على حد السواء.
لكنَّ النسوية غطت على هذه الفوائد، بمطالبتها بالمساواة في المعاملة بين الجنسين، مع تجاهلها التام والمطلق لاختلافاتهما. . وما يزيد الأمر سوءًا أنَّ هذه الأيديولوجية تنُقل إلى الفتيات منذ نعومة أظافرهنّ، مما يجعلهنَّ يقعنَّ ضحايا لهذا الفكر دون علمهنَّ، ويضر في نهاية المطاف بعلاقاتهن بأزواجهنَّ في المراحل اللاحقة من حياتهنَّ.
وعلى الأرجح كانت كاتبة هذه المقالة النسوية لتتفق مع تلك المرأة؛ حيث كتبت:
“…ولا، لن أحترم أبدًا أي نظام عقائدي لا يحترمني، ويدَّعي أنَّ المرأة – لكي تكون محترمة وذات قيمة – يجب أن تكون محتشمة”
هذا أمر محزن بقدر ما هو مربك: أليس الاحترام شيئاً مكتسبًا وغير مفروض؟ ما هو بالضبط الخطأ في الاحتشام؟ ؟ منذ متى كان بمقدور الرجال والنساء فعل ما يحلو لهم، وأن يحظوا في الوقت ذاته بالاحترام دون قيد أو شرط؟
مقالات ذات صلة:
يبدو أنَّ النسويات قد انحرفنَّ بشدة عن أساسيات الفطرة السليمة، لدرجة أنَّهن صرنَّ يعشنَّ نوعًا من الواقع البديل، القائم على توقع أشياء متناقضة من الناس.
الآثار ستطالنا جميعًا دون تفرقة
من المؤسف للغاية أنَّ مثل سوء الفهم وانعدام التفكير المتعمق في الأمور هذا قد نجم عنه كل هذا العداء تجاه الدين عمومًا، وتجاه الإسلام على وجه الخصوص. صحيح أنَّ النسويات هنَّ الخاسرات في نهاية المطاف، إلا أنَّ المسلمين أيضًا يعانون الأمرّين بسبب هذا الأمر، بما أنَّ عليهم التوصل إلى طريقة يمكنهم بها خوض جميع مناحي الحياة وتربية أطفالهم، في ظل هذا العالم حيث كل شيء مباح ومسموح.
يبدو أنَّ النسويات يرغبنَّ بالتمتع بالمعاملة التفضيلية لأنهنَّ نساء. المربك في الأمر أنهنَّ حين ينلنَّ هذه المعاملة، لا يجعلهنَّ ذلك سعيدات؛ فكثير من الرجال يحرصون أشدَّ الحرص على معاملة النساء بلطف لأنَّهنَّ نساء، فيفتحون لهنَّ الأبواب، ويحموهنَّ، وما إلى ذلك، احترامًا لكونهنَّ نساءً. ومع ذلك، فإنَّ هذا الأمر كثيرًا ما يثير استياء النسويات.
لسبب ما، ترفض النسويات هذه المعاملة التفضيلية، لأنَّها مبالغ فيها وليست كافية في آن واحد! وعندما تُحشر هذه الأفكار حشرًا في حيز الزواج، تؤدي إلى أضرار لا تحمد عُقباها!
فالنسوية تُملي على النساء أنَّهنَّ يستحقون كل الحقوق وليست عليهنَّ أي واجبات، وهذه العقلية تولّد لديهنَّ شعورًا بالاستحقاق وعدم الامتنان و”السخط”، بشكل يستحيل معه إرضائهنَّ؛ مما يضرّ بالعلاقة الزوجية بشدة، فإذا صار لدى الزوجة شعورًا زائدًا بالاستحقاق وعدم الامتنان والسخط الدائم، سيتوقف الزوج عن محاولة إرضائها، وهذا مفهوم. عندئذ، يمكن لأي شخص تخمين بقية القصة، التي ستؤول بلا شك إلى انتهاء العلاقة الزوجية، وفي كثير من الأحيان، يكون هذا بسبب شيء كان من الممكن اجتنابه بالكلية!
خاتمة
أعتقد أنَّ التوقف قليلاً، والابتعاد عن الكليشيهات التافهة التي تروجها وسائل الإعلام – سواءً الشركات الإعلامية أو وسائل التواصل الاجتماعي – والتريث قليلاً، لتأمل حالنا وسلوكنا وأهدافنا ومساعينا نحو تحقيقها على أرض الواقع، سيعود علينا جميعًا بالنفع.
وأوجّه ندائي لكاتبة المقالة، المقتنعة بأنَّه لابد من تحرير المرأة من قيود الأصولية الدينية… من كونها “آلة للإنجاب”… من كل شيء: توقفي قليلاً، وتفكري في الأمر؛ فكري بتداعيات بناء المجتمع بالطريقة التي تقترحينها جُزافًا طوال الوقت في خطاباتك النسوية اللاذعة.
ولمَن يرى أنَّني لست سوى شخص متدين أعماه إيمانه عن رؤية الحقيقة، هناك بالفعل عدد متزايد من النساء اللائي بدأنَّ ينبذنَّ النسوية بطريقة أو بأخرى، حتى إنَّهنَّ لا يتحدثنَّ من أي منظور ديني على وجه الخصوص. هنا مثالان لتلكم النساء.
لو أنَّ النسويات تفكرنَّ بصدقٍ فيما يرونَّ أنَّه يعيقهنَّ عن تحقيق أحلامهنَّ، سيجدنَّ أنَّ جُل السبب يتعلق بأساليبهنَّ وتحليلاتهنَّ للمواقف التي تواجههنَّ، وليس بتسلط النظام الأبوي (الذكورية).
أعتقد أنَّ السؤال المتعلق بما يرغبنَّ في التحرر منه بالضبط قد يدفعهنَّ إلى بعض التأمل الذاتي الذي هنَّ بأمسّ الحاجة إليه. لنكن واقعيين، كوننا نطلب من النسويات أن يتريثنَّ قليلاً ويتفكرنَّ في الإجابة عن هذا السؤال، فنحن بذلك على الأرجح نطالبهنَّ بأكثر من وسعهنَّ.
-مقال ذو صلة: ألم نتحرّر بعد؟ نساء الغرب يُجهِدنَ أنفسهنّ بالعمل حتى الموت